صحف اليوم

المطران مطر: الإشكالية اليوم مع الشيعة ونحن إخوة متخاصمون والدستور ضمانتنا الوحيدة

حالياً، هو المطران المتقاعد إدارياً. سيامته كاهناً كانت هنا في كنيسة مار جرجس وسط بيروت ويمضي فترة تقاعده، في نهايات رحلته الكهنوتية، في مار جرجس وسط بيروت. هو المطران بولس مطر (المولود فؤاد مطر) الذي طالما كان رسول حوار. واليوم، كتب إلى شيعة لبنان: فلنعش جميعاً سواسية. عشنا طويلاً معاً بدون عداوة دموية ولا رفض للآخر على مدى أجيال وأنشأنا نواة وطن. فلتكن مقاومتكم وطنية – لا إسلامية- تحت عباءة الحوار الأخوي المحبّ. لكن، هل أتاه جواب؟ يجيب: «كل شيء له وقته». هناك، في مار جريس البداية والحاضر إلتقيناه وكان حوار عن أمور كثيرة. عن الشيعة و»حزب الله» والوطن وعدم اليأس ومار نصرالله بطرس صفير والحكمة التي رفع ناديها الرياضي شعار: شوط عالي وخود جمهور. هو شعار لم يختره هو في حياته مفضلاً عليه شعار: الهدوء والحوار والغفران. ومن تجاربه كتب لنا: إن الله قد اخترع الغفران، لذلك لبنان المتصالح ممكن الوجود، لا بل هو واجب الوجود.

في الطبقة الأولى فوق كنيسة مارجرجس يسكن. هدوء في وسط صخب المدينة. هو كتب أخيراً: رسالة الى الشيعة. فما لزومها اليوم؟ يجيب: «منذ أشهر أرسل السيد حسن نصرالله رسالة الى المسيحيين فخطر في بالي: لماذا لا أقابله برسالة إنسانية ووطنية فيها صدق موجهة الى الشيعة عموماً» ويستطرد: «أنا من منطقة مختلطة اسمها الناعمه فيها موارنة وسنّة، وهناك بالقرب منها منطقة بعورته الدرزية، وليس بعيداً عنها هناك الدامور المارونية والجيه المختلطة وتضم موارنة وشيعة. عشنا معاً طويلاً في اختلاط وانفتاح ومحبة بين الجميع».

نظرة الأقليات غير مجدية

إسمه كان فؤاد، فؤاد مطر، ويوم سيامته اختار لنفسه اسم بولس لأنه كان معجباً بمار بولس الذي فتح المسيحية على العالم ويقول «أثّر بي مار بولس كثيراً وأيقنت منذ البدء أن الجميع واحد وأعجبت بمقولة يوحنا بولس الثاني: لبنان أكبر من وطن إنه رسالة». لم تقنعه مقولة الأقليات يوماً «فإما أن تكون هناك أقليات مسيحية في بحر إسلامي أو أقليات إسلامية في بحر مسيحي وتسود الإشكاليات واللاتوازن. هذه النظرة غير مجدية. نحن إنطلقنا متساوين واكتشفت من ترحالي طويلاً أن لا دولة في العالم بلا مشاكل داخلية. لذا علينا ألا نيأس. هناك دول أفنت بعضها بعضاً في أفريقيا. أوكرانيا وروسيا دولتان من طائفة واحدة (روم أرثوذكس) وتراث كنسي واحد وترون ماذا يحصل فيهما. أوروبا المسيحية واجهت بعضها في الحربين العالميتين الأولى والثانية. ولبنان مثل كل العالم. وعلينا حلّ مشاكلنا».

الإشكالية مع الشيعة

وبحسب “نداء الوطن”، هو لم يتوجه الى الدروز ولا الى السنّة بل الى الشيعة… يقاطعنا بالقول: «لا مشكلة لدينا مع الدروز. طوينا مشاكلنا وحدثت مصالحات. الإشكالية اليوم مع الشيعة الذين يشعر بعضهم أنهم لم يكونوا في أساس تكوين لبنان ويريدون اليوم أن ياخذوا موقعاً سبب لهم خلافات مع بقية الطوائف

هو كتب بخط يده أنه يحب أن يتنشق رائحة الحبر والورق وهو يكتب. وعن الحوار يقول: «شاركت طويلاً في الحوار الإسلامي المسيحي. إشتركت في أربعة حوارات في الأزهر. ويوم ظاهرة داعش توجهتُ الى السنة وتمكنت من أخذ الإعتراف بعدم قبول الإسلام بما يحصل وهناك من قال يومها: إن هذا الإعتراف يشكل خروجاً على الإسلام. لكنه حصل». يتابع: «رسالتي الى الشيعة من أربعة أقسام. قلتُ في الأقسام الأولى إننا نعيش معاً منذ بداية الإسلام ولا عداوة دموية بيننا ولا رفض للآخر، ونحن، شيعة وموارنة، عشنا في وطن اسمه لبنان واحتمينا في جباله وقررنا الحفاظ على عبادتنا وحريتنا الدينية وكرامتنا الإنسانية والوطنية. نحن كونّا الوطن، والوطن كوّننا. وفي القسم الرابع من رسالتي توجهت الى «حزب الله» من منطلقات وطنية. أنا عشت الإحتلال الإسرائيلي ورأيت بأم العين الدبابات الإسرائيلية تدخل الى بساتين الليمون. ثمة ذلّ. قصفوا جسوراً في الناعمة وهدموا نصف منزلي. وفي العام 1982، فقدت سبعة أشخاص من أهل بيتي بسبب إعتداءات نفذتها. أتفهم المقاومة. لكننا نفضّل أن يكون اسمها المقاومة الوطنية حتى لا تكون لطائفة معينة».

لكن، إسمها المقاومة الإسلامية؟ يجيب: «هل تعرفين معنى اسم أمل، أفواج المقاومة اللبنانية. سألت «حزب الله» لماذا لا تكون تسميتكم المقاومة الوطنية حتى نكون أقرب الى بعضنا. ودعوتُ الى أن تتجمع قوانا جميعاً تحت خيمة الدولة اللبنانية. فلنتحاور في سبيل تسوية مختلف المسائل وإبعاد النفور. طرحتُ الحوار الأخوي المحب لأن كل ما حصل في لبنان، من قِبل طائفة واحدة، لم يصمد. ما بقي هو ما اجتمع حوله جميع اللبنانيين».

كلام المطران واضح. رسالته نُشرت. لكن، هل أتاه جواب؟ يجيب: «الموضوع في بداياته والأمور «جايي»». نعود لنسأله: هل إتصل أحد بك؟ يجيب «لا أريد أن أتكلم الآن في الموضوع «جايي وقته»». لكن كل المسائل هنا تبقى معلقة وننتظرها تحت عنوان: جايي وقتها؟ يجيب «كل شيء ممكن».

الإخوة المتخاصمون

تبدو الكنيسة عموماً متقدمة أكثر في الموضوع وتحدد أخطاء حزب الله ومخاطر السلاح… يقاطعنا بالقول: «الخلاف مع حزب الله ومع السنّة والشيعة والدروز هو بين مكونات الوطن الواحد. لا يمكننا أن نكون أعداء. نحن إخوة متخاصمون. لا يمكننا تخوين بعضنا بعضاً. جريمة أن لا نتكلم معاً. أيام زمان، أيام كميل شمعون وكمال جنبلاط وصائب سلام، لم يكن الصراع أبداً شخصياً. نحن أبناء وطن واحد. جريمة أن نتعامل مع بعضنا كأعداء. ثمة خلافات بيننا لا عداوة».

جميل ما يقوله سيادة المطران لكن، ماذا عن لغة الإستعلاء التي يمارسها البعض؟ يجيب «الإستعلاء موجود عند كل إنسان. الطائفة الدرزية يمكنها أن تستعلي كونها أسهمت بتشكيل نواة لبنان المستقل. الإستعلاء الماروني أنهم وضعوا الحرف والثقافة. أما السنة فلديهم المدى العربي. أما الإستعلاء الشيعي فيتمظهر بالقوّة. لكن، ما يجب أن يعرفه الجميع، أن الإستعلاء بين الإخوة لا يمشي. وأنطلق من كلمة قالها البابا يوحنا بولس الثاني وفيها: من المخزي أن تعيشوا تحت سقف واحد وأن يحاذر بعضكم بعضاً. أنا أمشي في خط قداسة البابا. إذا خاف رجل وزوجته من بعضهما لا يمكنهما المكوث تحت سقف واحد».

الخوف موجود. في المقابل، هناك من يطل ليقول: أنا أحميكم. السيد حسن نصرالله وجه رسالة للمسيحيين قال فيها: «نحن من حافظنا على الوجود المسيحي وعلى الكنيسة والرهبان في سوريا» وهذا ما قال أنه يفعله في لبنان: حزب الله عامل إيجابي بالنسبة الى المسيحيين؟ يجيب المطران مطر «لا أحد ضمانة لأحد. لا يوجد ضامن ومضمون في لبنان. نحن نتعاون سوياً ليس على أساس أقلية وأكثرية. ذكرت مرّة في القاهرة أن لا كلمة أقليات في القرآن. هناك كلمة أهل الكتاب ولهم حقوق. لا يمكننا أن نتعاطى على أساس أقلية وأكثرية. ليس العدد هو من يحدد الوجود بل القيمة الشخصية للإنسان. هذا من صلب حقوق الإنسان».

الدستور يحمي

لكن، سمعنا من يقول إنه حمانا؟ «لا، لا نقبل أن يحمي أحد الآخر. الدولة وحدها من تحمينا. الوطن يحمي الجميع. وهنا أسأل: ماذا لو الذي قال اليوم أنه يحمي الآخر توقف عن حمايته غدا؟ فماذا يفعل؟ الدستور هو من يحمي الجميع. خذي الولايات المتحدة الأميركية مثلاً، ألم يصل المسلمون الى حقوقهم؟ بلى. إذاً، الدستور هو من يحمي. إذا إنتهى لبنان كلنا سنخسر. خذي الشيعة والسنة في العراق، هل وضعهم هناك أفضل مما هو هنا؟ لبنان عملية رابحة للجميع. لا أحد يخسر في لبنان».

كان يا ما كان لبنان الجميع، لكنه يتغيّر. في كل حال، سيادة المطران ألا تجد أنك توجه رسالة الى «حزب الله» الذي يملك عقيدة واضحة لم يخفها يوماً منذ تأسيسه؟ يجيب «هناك ربما من يقول إذا أمكن أن يكون لبنان بأكمله ذات عقيدة إسلامية لن أقول لا. وأنا أقول أنه إذا أمكننا أن نعمّد الجميع ليصبحوا مسيحيين لن أقول لا. لكن، التمني شيء والواقع شيء آخر. علينا أن نقبل بعضنا. لنا كل الحقّ بأن نحلم لكن التغيير غير ممكن. نحن نلجأ الى الدين كمصدر إنسانية. في القرآن آية تقول: إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا… لم يقل لتتقاتلوا».

يدعو المطران مطر مجدداً الى الحوار. هو يسعى دائماً الى الحوار منذ أمد. ألم يشعر صدقاً بأن الدعوات تذهب سدى؟ يجيب «نحن نعمل لأجيالٍ قادمة لا ليوم واثنين. والتاريح بيدنا». سيتبع التاريخ والحاضر المستقبل. أليست الكنيسة خائفة من الهجرة المسيحية من لبنان؟ ألا تخيفها الأرقام؟ يجيب «لا أبداً، سافر نحو ثلاثين شخصاً في الفترة الأخيرة من أهلي. وقلتُ لهم: أن تغادروا لبنان شيء وان تتخلوا عن لبنان شيء آخر».

الإمامان

متأثرٌ هو المطران بولس مطر بالإمام شيخ محمد مهدي شمس الدين جداً «وهو الذي دعا الشيعة الى الانخراط في الدولة» والى عدم إقامة مشاريع خاصة بهم». السيد موسى الصدر قال أيضاً: «من مسّ مسيحياً فقد مسّني شخصياً». هو متأثر أيضا بالإمام المغيّب. ماذا عن تأثره بالسيد حسن نصرالله؟ يجيب «سبق والتقيته مرتين أو ثلاثاً. إلتقيتُه في البداية حين كنت مطراناً على أبرشية بيروت. كنت أزور الرعايا بحسب القانون مرة كل خمس سنوات. وحين كنت أزور الرعية في الشياح كنت أعود وأزور من يزورني من الشيعة والسنة والدروز. زرت السيد نصرالله رداً على قيام وفد من قِبله بزيارتي ومكثت نحو ساعة ونصف. وقال لي في حينها: سيدنا نحن من أبرشيتك. كان لطيفاً. وفي المرة الثانية أرسلنا البطريرك مارنصرالله بطرس صفير لزيارته كردٍّ على زيارة قام بها وفد من قِبله أيضا. شكرناه ومكثنا ثلاث ساعات». وحول عما دار الحديث؟ عن الهواجس؟ عن المستقبل؟ عن السلاح؟ يجيب مطر: «تحدثنا على ما يجمعنا لا على ما يفرقنا». ويستطرد: «قابلته في المرة الثالثة في القرداحة، في أربعين حافظ الأسد. جلسنا جنب بعضنا وكنا 28 خطيباً. وأتذكر أنني يومها تكلمت، في نصف سوريا: عن لبنان السيّد بين الأسياد».

ألم يتطرق سيادته في واحدة من الجلسات مع سيّد «حزب الله» الى موضوع السلاح الذي تكلمت عنه الكنيسة مراراً؟ يجيب مطر: «هذا ما سنتحدث عنه في الحوار الذي طالبتُ به في رسالتي للشيعة. البطريرك صفير كان يقول: إذا كانت هناك عربة بحصانين، في اتجاهين، لن تمشي. نحتاج الى إرادة واحدة».

العلاقة بين المطران مطر والبطريرك صفير كانت وثيقة ويقول «كنت نائبه طوال خمس سنوات. وكنا على أحسن ما يكون. كان يقول عن العلاقة مع سوريا: يا جاري أنت في دارك وأنا في داري». ويستطرد مطر بالقول: «زارني مرة شخص من الطائفة الشيعية وسألني الطلب من البطريرك صفير أن يخفف لهجته ضدّ سوريا فأجبته: حين يغادر السوريون لبنان يصبح هناك كلام آخر».

صفير والراعي

بطريرك الإستقلال الثاني مار نصرالله بطرس صفير رفض الذهاب الى سوريا ومات ولم يذهب؟ يعلق مطر «هل تعرفين ماذا كان يقول لنا: أذهب الى سوريا مع كل الموارنة لا مع نصفهم». ماذا عن البطريرك بشاره الراعي؟ يجيب «بشاره الراعي صلب ومحاور وقد إستقبل أفضل إستقبال في الجنوب، في النبطيه وفي إقليم الخروب وفي بعلبك أيضاً، وذات يوم في زيارة رافقت بها الراعي الى نبيه بري قال الأخير: يا سيدنا نقول لك أن بلاد الجنوب لها اسم آخر هو بلاد بشاره».

البطريرك الراعي بدأ يسمي الأمور بأسمائها في الفترة الأخيرة… يقاطع مطر بالقول: «هناك مشكلة تغيير هوية لبنان. وهذا أمر صعب. البطريرك أكثر العارفين أننا مؤتمنون على هوية لبنان منذ العام 1920».

من كلام المطران نعرف أن تغيير هوية لبنان أمر جدي. نسأله عن الفدرالية التي نسمع عنها فيجيب «الأحزاب لم تطرحها والكنيسة لم تفعل ذلك أيضا. أما من يقول ذلك فله كامل الحق بأن يقول ما يريد. أما التطبيق، فالفكرة بعيدة اليوم».

العيلة

بعيداً عن متاهات اللحظة، نعود مع المطران بولس مطر الى الناعمة، الى البلدة التي ولد فيها، ونصغي إليه يقول «نحن تسعة أولاد، أربعة صبيان وخمس بنات، وأنا الرقم واحد بين إخوتي وأخواتي. وشقيقتي رقم 9 أصغر مني بثلاثة وعشرين عاماً. تقول لي: أشعر بك أبي لا أخي. شقيقي الجنرال خليل مطر في سلاح الطيران في الجيش وشقيقي الآخر كان في الدرك توفيا بالقلب. وأنا أول كاهن من بيت مطر في الناعمة منذ سبعين عاماً». سألناه: شقيقك العميد خليل اتهم في قضية رشيد كرامي… يجيب «كان كبش محرقة. زوجته زارت رئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود فقال لها: زوجك كبش محرقة. هو توفي والله يجازي كل إنسان على اعماله».

طفولة المطران كانت عادية «كنا من عائلة متوسطة الحال. والداي يوسف وماري دخلا في مشروع بناء كنيسة في الناعمه. تأثرت بذلك. وسميت الكنيسة باسم مارالياس. خلال الحرب دُمرت الكنيسة وأعدنا بناءها من جديد. وأتذكر أن كاهناً كان يزورنا في الأعياد وذات يوم جمع الأولاد وسألنا: من يرغب منكم بأن يصبح كاهنا مثلي؟ رفعت وحدي إصبعي. كان تصرفي إلهاماً من الله. كنت أذهب الى الكنيسة وأعود الى البيت وأضع شرشفاً على ظهري (تمثلاً برداء الكاهن) وأقوم بمراسم القداس. والدتي لم ترحب بذلك وكانت تقول لي: يا إبني «قليل الخصّية» (قليل الهمة) يعمل كاهنا» (يضحك سيادته لذلك).

مواصفات البابا…والرئيس

سامه كاهنا المطران إغناطيوس زياده في العام 1965 في كاتدرائية مار جرجس في بيروت (حيث هو اليوم). ويوم إختيار البطريرك الراعي خلفا للبطريرك صفير كان من الأسماء التي رشحها إخوته المطارنة، لكنه عاد وانسحب. فهل كان يملك مواصفات بطريرك؟ يجيب «أخبرنا البطريرك الراعي أنه يوم ذهب ككاردينال لانتخاب قداسة البابا في روما أجروا على مدى أربعة أيام محاضرات فكرية طارحين السؤال: أي بابا يريدون للكنيسة؟ واي بابا يحتاجون؟ تحدثوا حينها عن المواصفات». ماذا عنها؟ نسأله. يجيبنا: «هي مواصفات كنسية غير أننا يومها تمنينا (وما زلنا) لو يجتمع النواب في لبنان وينتخبوا الرئيس على هذا النسق. مشكلتنا أن كل طرف يرى أن الشخص الآخر قد يطعنه في ظهره» يستطرد بالقول: «برأيك هل يعرف جهاد أزعور كيف يطعن في الظهر؟ ليتنا نطول بالنا على بعضنا قليلاً».

الربّ نجّاه

ننظر من الشباك. مرفأ بيروت يظهر جلياً. الدمار ظاهر أيضاً. فأين كان المطران بولس مطر في الرابع من آب من العام 2020؟ يجيب «كان يُفترض أن اكون هنا (في كنيسة مارجرجس في وسط بيروت). لو حدث ذلك لكنت ميتا الآن لكنني كنت – بالصدفة – في كنيسة مار الياس التي بناها أهلي في الناعمه. سمعت صوت طيران قويّ. نعم كان ما سمعته طيراناً. الربّ خلصني».

بعد يومين تحلّ الذكرى الثالثة لانفجار المرفأ. وعنها يقول سيادة المطران «مساء الخميس، في الثالث من آب، سيقيم البطريرك الراعي عشية الذكرى قداساً في كنيسة مارجرجس. جريمة ألّا نعرف شيئاً عما حصل. هذا غير مقبول أبداً. كان يجب التشديد على من ىشترى البضاعة ودفع ثمنها لا على من مارس الإهمال…». نقاطعه بسؤال: ومن قال لك إن الأمور البسيطة ستقود الى معلومات موقنة؟ ألم يلاحظ سيادته أن هناك من رفضوا مسار التحقيق في المطلق وهددوا القضاء تحت قوس قصر العدل؟ يجيب «كان يجب على القاضي إصدار القرار الظني».

نتجاوز «حوارياً» موضوع انفجار المرفأ ونسأل سيادته: الموارنة متهمون بأنهم لا يلتقون ولا يتفقون و… يجيب مطر «الخطأ موجود عند الجميع. الشيعة «قوّصوا» بعضهم واحتكروا السلطة أيضاً. فهل يمكن أن ينزل شيعي الى الإنتخابات من دون رأي الثنائي ورضاهما؟ عند الدروز يحصل نفس الشيء. وعند السنة حين غادر الحريري تفرّقوا. مشكلتنا جميعا أننا لم نُحسّن أداءنا طوال الخمسين عاماً الماضية. كان يعمل معي في مدرسة الحكمة كاهن إسمه مارسيل الحلو، بقي 12 عاماً، وقال لي: لم يتحسن في أدائي طوال 12 عاماً إلا توقيعي (يضحك سيادته).

خدم 21 عاما في مدرسة الحكمة ويقول «بنيت جامعة الحكمه وكنا نتعذب كثيراً خلال الحرب وأخذت قراراً أن لا أربح وأن لا أخسر». هنا، حول هذه النقطة، نسأله عن عبء التعليم الذي بات مرهقاً على اولاد الرعية أولا وكل اللبنانيين عموماً؟ يجيب «الكنيسة غير مقصرة. مشكلتنا أن الدولة ترمي الطابة في اتجاه الآخرين. لا توجد دولة في العالم تتخلى عن تعليم أولادها إلا الدولة اللبنانية. فرنسا حلّت الأزمة التعليمية بدفع الدولة رواتب المعلمين في المدارس الخاصة. ويستطرد: كنت أتكلم مع وزير التربية الفرنسي فقلت له: علينا أن نفعل مثلكم. أجابني: تحتاجون لذلك الى دولة محترمة».

التقاعد

اليوم، تقاعد المطران بولس مطر إدارياً لكنه موجود في القداديس والزواجات و… ويقول «سألتُ ذات يوم أحد الكرادلة المتقاعدين: ماذا تفعل اليوم؟ أجابني: أعطي مواعيد لأفكاري. أحكي معها. وأكتب مذكراتي وأصلي. أصبح عمري 82 عاماً. ذهبتُ الى أميركا والتقيتُ سيدة تقاعدت من عملها الجامعي. سألتها: ماذا تفعلين؟ أجابت: افعل ما أريد».

لن تتضمن مذكرات سيادته مفاجآت بل ستنقل خبرته للآخرين وأهم ما سيكون فيها: «الإيمان بالمحبة التي هي السلاح الأمضى. العلم ينفخ أما المحبة فتبني».

أسوأ اللحظات التي عاشها كانت «الحرب اللبنانية والتهجير» ويقول «يوم تهجر أهلي من الناعمه ذهبت الى البطريرك صفير وسألته: هل تعتقد أننا سنعود يوماً ونعيش مع جيراننا كما في الماضي؟ أجابني: أبونا ربنا إخترع الغفران. وهذا بالفعل ما حصل. صعدت الى المختارة يوم كنت رئيس كاريتاس لبنان والتقيتُ وليد جنبلاط وقلت له: إذا بقينا هكذا لن تكون عودة. العودة بيدك. وبالفعل قمنا باختبار العودة الجزئية قبل وزارة المهجرين. أنا قلت يومها: لا يلغي الدم والحقد إلا الحبّ».

يستذكر المطران مطر زعيم جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا الذي عانى وسجن ويوم غادر سامح وغفر ويقول «في خطاباتي كلها تعمدت قول الكلمة الهادئة. ويستطرد بابتسامة: لم أحب حتى شعار نادي الحكمه: شوط عالي وخود جمهور».

هو يقرأ كثيرا وبين يديه اليوم كتاب جديد عن المئوية الأولى لدولة لبنان «إنه مجموعة مطالعات أقرأها بفرح». وهو يحب الإصغاء الى الصلاة المارونية والتراتيل والى صوت فيروز «فيروز تساعد على الصلاة». وقبل أن يختم يقول: «أحب مار بولس كثيراً وسميت مار شربل مارون الجديد».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى