نشاطات

بتول دندشي ونور غنطوس يوقعان روايتهما المشتركة “Piccadilly 1946” في الرابطة الثقافية

وقّع الكاتبان نور غنطوس وبتول دندشي، عملهما الروائي المشترك Piccadilly 1946، في الرابطة الثقافية في طرابلس، وذلك بحضور رئيس الرابطة الثقافية الصحافي د رامز الفري ،مؤسس صندوق الأحلام في طرابس ولبنان الأستاذ المهندس عزام حدبا، ممثل جمعية الوفاق الثقافية الاستاذ وهبة الدهيبي وحشدٍ من الأصدقاء والمهتمين . حيثُ قدّمت الحفل الأستاذة ملك كسحة مثنية وممتنة من كلّ من تكبّد مشقّة الوصولِ إلى هذا اللّقاءِ حيث قالت ” نأمَل، أن يعيدَ إلينا بعضَ اللُّطفِ، والشّغفِ، والحُب، في ظلّ ما يعانيه وطننا الحبيب لبنان، ومدينتنا العريقة، طرابُلُس.
لم تكنِ الروايات يومًا سبيلًا إلى الهروب منَ الواقع، بقدرِ ما هي إعادة ترجمةٍ له، وفقَ عينيّ الكاتب. ولم تكن يومًا للتّسلية، بقدر ما تسعى إلى التقاطِ المفاهيم الغائبة وحَشرها داخل كتاب، ربّما لا يتجاوز المئتَي صفحة، لكنّه يفتحُ أبوابًا في العقل مُغبّرَة بكلّ السطحية التي تشهدها بعض المجتمعات”.
ونوّهت كسحة في كلمتها إلى أهمية محاولةِ إنجازِ عملٍ روائي، أو أدبي، أو كتابي،وسط هذه الأيام الملْأى بالمَشاكل، والأوضاع الاقتصادية الصعبة، وأن الكاتب لم تكن يومًا مهمته إخراج الأرنب من القبّعة وإبهار الجميع، بقدر ما كانَ يحتاجُ إلى أناقةِ تقديم العرض”.

ثمّ كانت الكلمة للكاتبة بتول دندشي، مرحبة بالحضور الكريم وشاكرة كلّ من دعمهما في هذه الخطوة التي أصبحت صعبة وسط كل ما يعانيه الشباب اللبناني من محاولة لشق طريقهم نحو أهدافهم وأحلامهم. وقالت دندشي في كلمتها: “يقفُ الكاتبُ أمامَ شخصيّاته، ليدرك كم كانَ غبيًّا، حينَ تتغلّبُ الشخصية على صانعها.
الإنسان لا يستطيعُ التّغلّبَ أبدًا على إلٰهه، لكنّ الشخصيات الروائية بَلى. مهما أحكمتَ المخطّط، قد تفاجئك. وتستقلّ عنك. يقفُ الإنسان الذي يكتب محتارً دائمًا أمام إنتاجه، حتّى وإن كانَ نصًّا صغيرًا. بينَ فرحته العارمة بما خرج من صلبه، وبينَ تساؤله إن كانَ ما قدّمه سيروي عطش الأرواح الظّمأى للأدب واللغة والشعر. ولكن رغم كل هذه الصراعات نكتُب. لأنّ الكتابة تأمرنا بذلك. لأننا نحنُ من نضع عنقنا تحتَ سكّين الكتابة. لأنّ الكلمة هي التي تتبعكَ في الليل، كي تلتصق بك، لأنّ اللغة هي من تناديك وتخطف بصرك كي تكتبها، وليس العكس.
منذ نشأة فنّ الرواية والنقاد والقرّاء يختلفون حول أهميتها، وإن كانت على قدر كاف من الأهمية كالسير الذاتية، أو التاريخ. منهم من يجدها مضيعة للوقت، ومنهم من يهرب بها نحوَ عالمٍ آخر. أمّا عن نفسي، فأقول لا تحمّلوا الكاتب أو الشاعر نتيجة ما ينتجه العالم من بشاعة، ولا ترغموه على تصوير الواقع ليس إلّا، لا تقولبوه. الأديب لم يخلَق بالضرورة ليكون مرشدًا اجتماعيًا، أو مصلحًا. قد يحدّثكم عن مشهد الشارع الذي اعتدتم على رؤيته آلاف المرات كل صباح، ولكنّه يركّز أعينكم على جرذٍ مسرعٍ يقطع الشارع، ليختبئ في مدخل بناء قديم. هكذا هو الكاتب. يستطيع أن يختار الزاوية التي يشاء، وأن يريكم إياها. ليس بالضرورة أن يكون هدفه توجيه حكمة أو زرع قيمة، ربّما يبحث عن الجمال والفن المطلق، وربّما يريد فقط إظهار القبح الموجود دون تدخل منه.
ستقولون ماذا يستفيد؟ سأقول ليس بالضرورة أن يستفيد شيئًا، يكفيه شعور الكلمة وهي تنبثق منه. يكفيه المشهد الذي يعيد خلقه حسب رؤيته.
عندما كنّا في صدد وضع مخطط الرواية، ربّما اخترنا قالبًا تقليديًا، بل وقديمًا أيضًا وهو الرّسائل، ولكنّنا حرصنا على أن نقدّم لكم كافة أحداث الرواية والشخصيات على لسان شخصيتين فقط، ومن خلال المراسلات”.
ثمّ تحدثت بتول دندشي عن عملية اختيار الشخصيات، والأسماء، وبناء الرواية موضّحة “الأسماء لم نخترها بشكل عشوائي، ولا التواريخ، ولا الأماكن. كلّ التفاصيل والرموز التي وضعناها لكم داخل الرواية إنما هي لخدمة الشخصيات، ولترابط الأحداث، ولكي تستطيعوا أعزائي القراء، أن تلاحظوا تطور الشخصيات في الرواية المقدمة لكم.
أمّا عن علاقتي مع صوفيا، التي أصبحتم تعرفونها من الرسائل، فقد كانت علاقة روحية كبيرة. أشبه بتواصلي مع كائن من عالم آخر، يملي عليّ ما الذي يجب قوله هنا، أو تصرفه هنا.
إن عملية بناء الشخصية، وتملّكها لك، لا تختلف شيئًا عن التمثيل، فعليك أن ترى من خلال عينيها، وأن تسمع عبر أذنيها، وأن تشعر بأدق التفاصيل الحياتية حسب حواسها هي.

لقد أخذت هذه الشخصية مني طاقةً غريبة. حتى أنني كنتُ أهرب منها فترات طويلة وأقرر في كل مرة تركها لوحدها. فأعود وأتذكر كم من المؤسف أن يبقى مصير الإنسان مجهولًا. كنتُ أعلم كيفية انغماسي في أي شيء أعمل عليه حدّ التماهي به، وهذه كانت أحد مخوافي لدي سير أحداث الرواية. والآن أتذكر سؤال إحدى الصديقات إن كنت سأستطيع أن أعود كما كنت سابقًا، لكنني متأكدة من أنّ شيئًا ما من صوفيا سيبقى داخلي إلى الأبد.
الصديق العزيز الكاتب نور طبعًا كان يجسد شخصية أيهم في الرواية، وقد فضلنا أن يعمل كل منا على شخصية واحدة كمرحلة أولى، والمرحلة الثانية كانت أن يضيفَ كلّ منا في الآخر ما يجب إضافته حسب ما تقتضيه الرواية.
ولدى سؤالهما عن سبب اختيار العنوان باللغة الأجنبية وضحت دندشي قائلة “أما بالنسبة إلى العنوان، فاللغات كلها جميلة، والحروف كلها من إبداع الخالق سبحانه وتعالي في العقل البشري. وبما أن ميدان بيكاديللي هو المنطقة الرئيسة لأحداث الرواية، وكما له ما له من أهمية في تاريخ لندن خاصة في الحرب العالمية الثانية، فكان لجمالية كتابة أحرفه بالانجليزية، ولأهميته تاريخيا، أن كتبناه باللغة الأجنبية كما هو. خاصة وأن الأحداث هي أصلا في إنجلترا، مع محافظتنا على الجنسية العربية، اللبنانية لبطليّ الرواية.
أرجو أن لا تتسرعوا في الحكم على الرواية حتى النهاية، فكل كتاب يمنح فرصة، وكل كاتب يستحق أن ينال فرصته أيضًا”.

ثم كانت الكلمة للكاتب نور غنطوس، الذي تشكر إدارة شركة الميرادور بشخص صاحبها الدكتور أحمد علم الدين الدوري، لدعمه لهما في هذه الخطوة، ومحاولته الدائمة تسليط الضوء على الشباب الناشئ والمهتم بالأدب والتمثيل والفن بشكل عام خاصة في طرابلس. وتحدّث غنطوس بكلمات نابعة من القلب مفعمة بالحب والشغف عن تخطيطه لشخصيات الرواية وتحديدًا البطل “أيهم”، موضحًا أن الكاتب عليه أن يعيش الشخصية حدّ التماهي بها كي يستطيع إتقانها، وتقديمها للقراء بهذه الصورة النهائية. وكم من المجهود والوقت والتعاون تطلب هذا العمل الروائي المشترك، إذ أنه ليس من السهل أن تحاول جمع أسلوبين مختلفين في رواية واحدة لكاتبين مختلفين. ولكن حب الأدب وتقديم الفكرة الأسمى للقراء يذلل كلّ الصعاب.

كما يذكر أنّ هذا العمل الروائي “Piccadilly 1946” هي العمل الروائي الثانس لنور غنطوس بعد روايته الأولى “امرأة البامبو”، وهو العمل الثالث لبتول دندشي بعد كتابيها السابقين “حب بنكهة القهوة” و”كثير من الحب قليل من الوقت”.
أمّا بالنسبة للرواية فإن Piccadilly 1946 لا تصنف ضمن أدب الرسائل، إنما هي رواية متكاملة بأحداثها الغامضة والمثيرة، ببطليها أيهم الكاتب صاحب اللغز الأكبر، ومدققته اللغوية صوفيا.
وفي نهاية الحفل، تمّ توقيع الرواية من قبل الكاتبين، مع تمنيات الجميع لهما بالتوفيق الدائم

زر الذهاب إلى الأعلى