سياسة

الورقه السياسية الاولى لحركة “التجدد للوطن”

بعد المؤتمر التشاركي الذي دعا اليه “التجدد للوطن” في 19 تشرين الثاني 2022 والذي أطلقت خلاله الوثيقة التأسيسية، وحيث ان لبنان ما زال يتخبط في أعمق أزمة أوصلته الى نتائج مدمرة، أعدّت هذه الورقة نتيجة عدة إجتماعات شاركت فيها مجموعة من الإخصائيين، فجئنا نطرح أمام الشعب اللبناني والقوى السياسية ورقة وطنية سياسية علّها تسهم في النهوض ما يؤدي الى إستعادة الثقة بلبنان لدى ابنائه ولدى المجتمعين العربي والدولي وفيها ما يلي:

اولاً: في سيادة الدولة

يتعرض لبنان لإنتهاك سيادته الوطنية مع إستمرار إحتلال أجزاء من أرضه وإستباحة حدوده المعترف بها دوليّاً. إضافة الى خلافات حول وجود قوى مسلّحة على أراضيه خارجة عن سلطة الدولة فاقمت من حدة إنقسامات اللبنانيين وتبايناتهم وكادت تتحول الى أحقاد طائفية بغيضة.

يعتبر “التجدد للوطن” أنّ سيادة الدولة لا تتحقق الا بتوفر أربعة شروط:

1. جيش واحد يتولّى دون سواه الدفاع عن لبنان، ينفّذ قرارات الحرب والسّلم الصادرة حصراً عن الحكومة اللبنانية.

2. دبلوماسيّة واحدة تمثل موقف لبنان إنسجاماً مع مقدمة الدستور “لبنان عربي الهوية والانتماء”.

3. قوانين واحدة تطبَق على كامل الاراضي اللبنانية.

4. إدارة واحدة للسياسات العامة كون السلطة الاجرائية تناط بمجلس الوزراء حصراً.

ثانياً: في اتفاق الطائف

شهد لبنان حروباً ذهب ضحيّتها آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين، وخلفت تداعيات اقتصادية واجتماعية ونفسية سبقت إقرار ميثاق الطائف بعد انعقاد مؤتمرات صلح عدة خارج لبنان، فارتضاه اللبنانيون قاعدة لدستور الدولة يحمي العيش معاً ويؤمن المناصفة ويراعي الثوابت اللبنانية وهي مداميك كيانيّة للنظام اللبناني.

يتمسك “التجدد للوطن” بميثاق الطائف وبالدستور المنبثق عنه بكل مندرجاته خصوصاً لجهة الإلتزام بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ويطالب بتطبيق الاصلاحات الواردة في متنه خصوصا اللامركزية، مشدّداً على رفضه طروحات التقسيم والانفصال وضرب العيش المشترك.

ثالثاً: في إستعاده الثقة

كان لبنان نموذجاً للاستقرار فيه الثقافة والسياحة والاقتصاد المتنامي فتراجعت سمعته وتصدعت صورته واهتزّت ثقة الداخل والخارج فيه، وسط تخبّط سياساته وفشل إدارته للأزمات المتتالية التي عصفت به.

يرى “التجدد للوطن” ان اعادة بناء الثقة بلبنان تبدأ بترميمها لدى شعبه عبر تقبّل المواطنين لسلطة جديرة بثقتهم تحيي فيهم روح المواطنة يمثّلها أشخاص أكفّاء يعملون بصدق وشفافية دون محاباة وزبائنية.

ان الطريق الأسرع لترميم الثقة بالدولة وأجهزتها هو بتطبيق القانون على يد رجال دولة وإصلاح شامل يربط لبنان بمنصّات استقرار تطمئن الشعب اللبناني وأهمها: ميثاق الطائف، قضاء مستقل، قانون عادل للإنتخابات النيابية، وعدالة إجتماعية.

يؤكد “التجدد للوطن” ان إستعادة الثقة تتطلب مراجعة ثقافية وتربوية تساهم في ترسيخ شرعية البنيان اللبناني في الإدراك الجماعي.

رابعاً: في رئاسة الدولة

تمثل رئاسة الدولة وحدة الوطن وهيبته فمعها تنتظم كل المؤسسات الاخرى. رئيس الدولة هو رمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه.

يدعو “التجدد للوطن” الى إخراج رئاسة الدولة من التجاذبات المعطّلة، فرئيس الدولة ضمانة لكل المكونات، ولا يجب ان يكون انتخابه نتيجة معادلات قوة او نفوذ بل مسؤولية وطنية جامعة تضع مصلحة لبنان فوق كل المصالح الأخرى.

ما نشهده يخالف هذه الموجبات حيث يتحول هذا الاستحقاق إلى انقسام يؤدي الى تعطيل الانتخابات الرئاسية بحجج يرفعها أطراف ضد بعضهم البعض فيستسهلون تدخل الخارج في بلدنا، ما يساهم في إنتهاك سيادتنا الوطنية.

خامساً: في السلطة “الاجرائيّة”

يشير الدستور الى ان الطوائف تمثّل بصورة عادلة في تشكيل الحكومة ولا يشير إطلاقاً الى “تمثيل عادل” لأحجام الكتل النيابية، ما درجت عليه العادة منذ سنوات هو غلبة منطق الحصص والزبائنيّة على منطق الكفاءة والفاعلية. بالإضافة الى التمادي في تأخير تشكيل الحكومات.

يرى “التجدد للوطن” ان “السلطة الإجرائيّة” مؤسّسة دستورية معنيّة مباشرة بإدارة مصالح الدّولة وهي مصالح الشّعب، ويدعو إلى عدم أخذ تشكيلها رهينة سياسيّة بيد أولياء الأمر.

يدعو “التجدد للوطن” الى عدم تحويل الحكومات الى برلمانات مصغّرة تخالف مبدأ فصل السلطات وحتى لا يتشوّه النّظام الديمقراطي البرلماني اللبناني ويبقى للمعارضة معنىً وفاعليّة فتمارس دورها في مراقبة السلطة الإجرائيّة ومحاسبتها.

سادساً: في دولة الحق والقانون

إن حكم القانون يشكّل ركيزة للديمقراطيّة ولتطوّر المجتمعات، ولا يفترض فقط وجود قوانين واضحة وعادلة، بل يستوجب تطبيقها بشكل عادل وفعّال على الجميع، من مسؤولين ومواطنين، بواسطة قضاء يفرض نفسه كسلطة دستورية ضامنة لمبدأ فصل السلطات ولحقوق الناس. وإن من أهم أسباب تلاشي حكم القانون في لبنان، عدم تأدية السلطة القضائيّة دورها بشكل فعّال لأسباب تتحمل بنفسها جزءا منها.

يؤكد “التجدد للوطن” أن تعزيز حكم القانون يحتاج إلى قضاء يكرّس نفسه كسلطة دستوريّة مستقلّة، لا يدين قضاتها الولاء إلا للقانون والضمير، يعملون لإعادة الهيبة للقانون والثقة للمواطن والأمان للمجتمع والاستقرار للإستثمار. كما يشدد “التجدد للوطن” على تحرر القضاة من أيّة تبعية في تأدية رسالتهم التي يجب ان تتسم بالتجرد والامانة تقابل الآمال المعلّقة على دورهم في نهوض الدولة.

سابعاً: في سياسة لبنان الخارجيّة

تعاني سياسة لبنان الخارجية من إضطراب وعدم ثبات بسبب إنقسامات بين القوى السياسية، ما يضعف موقف لبنان في المحافل العربية والدولية ويغيبه عن المواقف والقرارات الاقليمية.

يرى “التجدد للوطن” أن على لبنان إعتماد ثوابت وقواعد لسياسته الخارجية. وهو يدعم خيار حياد لبنان في إطار جامعة الدول العربية، إنتقالاً من لبنان الساحة الى لبنان الوطن.

ثامناً: فيِ الإقتصاد والمال

ما من خلاف في لبنان على اعتماد الإقتصاد الحر وآليات السوق. غير أن عدداً من الممارسات الإقتصادية والمالية السابقة شابها الكثير من الشوائب. ان الأزمة الحالية هي نتيجة الإنحرافات التي لا بد من تصحيحها على صعيد القطاعين العام والخاص. فالإنفاق العام الاستهلاكي والزبائني تفاقم وأدى الى عجز دائم في الموازنات وكان يتغطى بالإقتراض المتزايد. اما في القطاع الخاص، فثمة نقص في استثمارات ذات قيمة مضافة عالية، واعتماد مفرط على الإستيراد ما جعل الإقتصاد أمام تحدي النقص في العملات الصعبة .

يرى “التجدد للوطن “ضرورة ملّحة لإصلاح القطاع العام لجهة ترشيقه وزيادة إنتاجيته ورفع مستوى الحوكمة فيه. على أن تعمل الحكومة على تشجيع الاستثمارات، وتحفيز القطاعات التصديرية واطلاق ورشة مشاريع تنموية لتحديث البنية التحتية، وتنويع الاقتصاد ومصادر دخله اعتماداً على قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. ان العلاج للأزمة يبدأ بعودة ميزان المدفوعات إلى تحقيق فوائض يرافقها إعادة هيكلة المصارف وتحمل الدولة لمسؤولياتها ما يعزّز فرص الرهان على إنصاف المودعين العالقة أموالهم ظلماً في المصارف ومصرف لبنان، مع ضرورة وضع سياسات تدعم شبكات الحماية الاجتماعية ممولة من نظام ضريبي عادل غير محبط للاستثمار وهادف الى إعادة توزيع الثروة.

تاسعاً: في اللامركزيّة

أثبتت السلطة المركزية منذ الاستقلال حتى اليوم عجزها عن تلبية حاجات المواطنين وإخفاقها في إدارة المرافق العامة، حتى وصلنا الى ما نحن عليه من لا فعالية وفساد مستشر وتعطّل للخدمات العامة.

جاء في مقدمة الدستور أن أرض لبنان واحدة لكل اللبنانيين فلا فرز للشعب على أساس أي إنتماء كان ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين، وبالتالي فإن اللامركزية تستند الى خلفية ميثاقية كونها تحفظ وحدة الدولة، وتدير التنوع ضمن الوحدة.

يرى “التجدد للوطن” أن إعتماد اللامركزية بات حاجة وطنية لوضع الإمكانيات والطاقات والخبرات المتوافرة في المناطق في خدمة مناطقها ومعالجة شؤونها ومشاكلها وخلق تنافس تنموي إيجابي مع غيرها من المناطق، مع المحافظة على مبدأ التكافل والتضامن الوطني. هذا الأمر يسهّل المراقبة والمحاسبة على عمل السلطات المحلية، مع التذكير أن إعتماد اللامركزية هو من الإصلاحات التي جرى الاتفاق عليها في الطائف، ويجب العمل على تطبيقها.

عاشراً: في الإدارة العامة

يعاني القطاع العام من إختلالات بنيوية، فالإدارة العامة تعاني نقصاً في اعداد الموظفين، بينما في قطاعات اخرى هناك تخمة خاصة في اعداد المتعاقدين، وهذا ناتج عن التوظيفات السياسية والزبائنية حيث تغيب عن معظمها الكفاءة والنزاهة وروح الخدمة العامة، ويعمّ فيها الفساد والرشوة، كأنما القطاع العام وجد لخدمة الموظف أو من أوصله وليس لخدمة المواطن.

يطالب “التجدد للوطن” بإعتبار مسألة القطاع العام أولوية في عملية الإصلاح، عبر مكننته وترشيقه وتنقيته وتحديثه، وإجتذاب الكفاءات الشابة وإعتماد التوظيف عبر مجلس الخدمة المدنية، تفادياً لإغراق القطاع العام بعدد كبير من المتخلفين عن واجباتهم الوظيفية.

إحدى عشر: في أزمة النزوح

تحمّل لبنان أعباء كبيرة إجتماعية وإقتصادية وأمنية جراء النزوح السوري اليه، ما فاقم من أزماته الإقتصادية والمالية والخدماتية والأمنية وجعل العمالة السورية والمؤسسات الخاصة بالسوريين تزاحم مثيلاتها اللبنانية، ما تسبّب بتوترات بين النازحين واللبنانيين.

يرى “التجدد للوطن” ضرورة التعامل مع مسألة النزوح السوري بمسؤولية وطنية ومعالجة وجودهم وفق القوانين المرعية الإجراء وبما يحفظ فرص العمل أمام اللبنانيين، وضبط الحدود بين لبنان وسوريا، والإنتقال من تنظيم وجودهم الى تنظيم عودتهم، بالتعاون مع الأمم المتحدة والجانب السوري، ومطالبة الجهات المانحة مساعدة المجتمعات المضيفة والتأكيد ان لبنان ليس بلد لجوء.

إثنا عشر: في هجرة الشباب

يشهد لبنان نزيفاً حاداً جراء هجرة شاباته وشبانه ويخسر كفاءات وطاقات واعدة، بسبب فقدان الثقة وإنسداد الأفق وتواتر الأزمات على أنواعها، وفقدان الإستقرار.

يرى “التجدد للوطن” ان لا مستقبل لبلد بدون شبابه ومن دون إعاده الثقة اليه، وتأمين الحقوق الأساسية للمواطن ومشاركة الشباب في الشأن العام، وإرساء إستقرار سياسي وإقتصادي.

بناءً على كل ما تقدم، نعلن كتجدد للوطن، اننا جمهوريون وسطيون، نؤمن بالعيش الواحد وباتفاق الطائف ونتمسك بالمناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ونرى وجوب اعتماد اللامركزية وتطوير قانون الانتخابات النيابية لتأمين صحة تمثيل كل مكونات الوطن .

نطرح هذه الورقة امام الرأي العام اللبناني للنقاش والتداول في سبل الخروج من الأزمات التي نعيشها علنّا نتوصل سوياً بعد العودة الى الدستور والميثاق، الى مقاربات وحلول تنقذ لبنان وتعيده وطناً مستقراً وجاذبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى