سياسة

العبسي يعلن “سنة اليوبيل”: كنيستنا مكان للصلاة والتلاقي

عقد بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي مؤتمرا صحافيا في المقر البطريركي في الربوة اعلن خلاله عن “سنة اليوبيل” وهي ذكرى مرور ثلاثمئة سنة على اعادة الوحدة مع الكرسي الرسولي الروماني .

وقال العبسي: “نجتمع اليوم في مقرّنا البطريركيِّ بالربوة للإعلان عن حدث هامّ يخُصّ بطريركيّةَ أنطاكيةَ وسائرِ المشرق للروم الملكيّين الكاثوليك ألا وهو ذكرى مرور ثلاثمئة سنةٍ على إعادة الوحدة مع الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ. لقد رغب سينودس كنيستنا أن لا تمرّ هذه الذكرى دون أن نقف عندها للتأمّل والتفكير في مسيرة كنيستنا في الماضي والحاضر والمستقبل وفي رسالتها. فقرّر السينودس تخصيص سنةِ 2024 لهذا الأمر تحت عنوان: “كنيسة الروم الملكيّين الكاثوليك: مسيرةٌ مسكونيّة 1724-2024”.

اضاف: “لمعرفة مدى أهميّة هذا الحدث وما الهدفُ من تذكّره، لا بدّ لنا من الإضاءة على بعض المحطّات في تاريخ الكنيسة عامّة وكنيستنا خاصّة. بعد صعود السيّد المسيح إلى السماء وحلول الروح القدس على التلاميذ، بدأت البشارة المسيحيّة تنتشر في أصقاع المسكونة. آنذاك، كانت أنطاكية مدينةً رئيسيّة في الإمبراطوريّة الرومانيّة ومركزًا ثقافيًّا هامًّا، فأَرست فيها الكنيسةُ أساساتها في بدايات انتشارها حتّى إنّ عبارة “المسيحيّين” استُخدمت لأوّل مرّة في أنطاكية للإشارة إلى تلاميذ يسوع على ما جاء في سفر أعمال الرسل”.

وتابع: “اشتهرت بطريركيّة أنطاكيةَ بتراثها اللاهوتيّ والليترجيّ وبأنّها أنبتت عددًا من القدّيسين الذين عاشوا أو نشؤوا فيها ودافعوا عن الإيمان المسيحيّ سواء بالشهادة كالقدّيس أَغناطيوسَ الأنطاكيّ والقدّيسِ إليانَ الحِمصيّ، أو بالكلمة كالقدّيسِ يوحنّا الذهبيّ الفم والقدّيسِ يوحنّا الدمشقيّ والقدّيس رومانوسَ الحِمصيّ الذين أسهمت مؤلّفاتهم مع غيرهم من الآباء في إرساء الإيمان المسيحيّ وتنقيته من كلّ شائبة أو خلل”.

وقال: “كانت أنطاكية حاضنة لثقافات متنوّعةٍ ومنها بشكل خاصّ السُريانيّةُ واليونانيّة. وكان من الطبيعيّ أن ينعكس هذا التنوّع على التعبير عن الإيمان وعلى الصلاة. لكنّ ذلك أدّى مع الأسف إلى بعض الخلافات اللاهوتيّة بين المسيحيّين، ممّا حدا الكنيسة إلى عقد مجامعَ مسكونيّةٍ للنظر فيها. لم تُفضي هذه المجامع دومًا إلى جمع المسيحيّين على رأي واحد فبقيتْ خلافاتٌ ولّدتِ انقساماتٍ داخليّةً ما زالت عواقبها حتّى اليوم. ومن مظاهرها ما حدث من ثَمّ في أنطاكية بأن نُعِتت بِ “الملكيّين” الكنائسُ التي تبعت قراراتِ مجمعِ خلقيدونيةَ المنعقدِ عام 451. فيما بعد، أدّى الانقسام بين روما والقسطنطينيّة عام 1054 إلى شيء من الفتور ثمّ الجفاء في العلاقات بين أنطاكية وروما على الرُغم من شجب البطريرك الأنطاكيّ آنذاك الحرومات المتبادلة. ابتداء من القرن السابع عشر، سعى المرسلون الكاثوليكيّون الغربيّون المتواجدون في الشرق إلى رأب الصدع وتحقيق الوحدة المنشودة بين البطريركيّة الأنطاكيّة الملكيّة وكنيسة روما. بيد أنّ هذا السعي الذي تحوّل إلى حركة اتحاديّة، بالإضافة إلى عواملَ أخرى مهمّة، خلق انقساماتٍ داخل الكنيسة الواحدة فبات لدينا، منذ عام 1724، كنيسةُ الروم الملكيّين الكاثوليك وكنيسة الروم الأرثوذكس. ليستِ الكنيسةُ الملكيّة هي الوحيدةَ التي عَرفت هذا النوع من الانقسام فقد سارت كنائس شرقيّة أخرى بالاتّحاد مع روما وإن كانتِ الظروف التاريخيّة والكنسيّة والاجتماعيّة مختلفةً بعض الشيء من كنيسة إلى أخرى.

ترك كلّ انقسام أثره وأحدث توتّرات مؤلمة. لكنْ بالرغم من كلّ ذلك أكملت كنائس أنطاكية رسالتها في الحفاظ على الإيمان المسيحيّ متجاوزة كلّ الأوقات الحرجةِ التي مرّت بها وظلّ المؤمنون على اتّباع السيّد المسيح بكلّ قواهم ولكن كلّ من منطلقه. على هذا النحو رأت كنيسة الروم الملكيّين الكاثوليكِ أنّ الوحدة بين الكنيسة الأنطاكيّة والكنيسة الرومانيّة أمر جوهريّ فسارت في خطّها”.

اضاف: “كنيسة الروم الملكيّين الكاثوليك كنيسةٌ أنطاكيّةٌ رسوليّة تعود جذورها إلى الرسولين بطرس وبولس مؤسّسَي الكرسيّ الأنطاكيّ، إذ قام الرسول بطرس بتأسيسها ورعايتها والرسول بولس بالتردّد إليها مرارًا وتعزيز جماعتها المسيحيّة بتعاليمه وإرشاداته. فهي تحمل بالتالي مباشرة من الرسل القدّيسين تعاليمهم وتقاليدهم، وتشترك مع سائر كنائسِ أنطاكيةَ في الانتماء الرسوليّ الواحد. واليوم، بفضل الله تعالى وإرادة المسؤولين، يسود العلاقاتِ بين كنيستنا والكنائس الشقيقة الاحترامُ المتبادل والمحبّةُ الأخويّة والتعاونُ في خدمة الإنجيل الواحد، في حين أنّ مؤمنينا يعيشون في أحيان كثيرة اختبارًا مميّزًا إذ يجتمعون تحت سقف البيت الواحد من طوائفَ مختلفةٍ مؤدّين شهادةً ناصعة على انتمائهم إلى السيّد المسيح”.

واعلن العبسي ان “في الحادي عشرَ من شهر تشرين الثاني المقبل 2023، نفتتح العام اليوبيليّ بليترجيّا القدّاس الإلهيّ في كاتدرائيّة سيّدة النياح البطريركيّة بدمشق، نحتفل بها مع السادة الأساقفة أعضاء السينودس المقدّس بحضور ومشاركةِ شخصيّاتٍ دينيّة من الشرق والغرب. بعد ليترجيّا الافتتاح تنطلق نشاطات السنة اليوبيليّة في جميع أبرشيّاتنا، يُعلن عن برنامجها لاحقًا منسّقا سنة اليوبيل حضرة الأبوين رامي واكيم وشربل ناصيف، والتي ستَشْمَل صلواتٍ ورتبًا ليترجيّةً ولقاءاتٍ روحيّةً واجتماعيّة ومنشوراتٍ علميّةً وندواتٍ فكريّةً ومعارضَ تراثيّةً ثقافيّة ونشاطاتٍ أخرى متنوّعة على مدار العام 2024”.

ودعا “جميع المؤمنين من كلّ أبرشيّاتنا إلى المشاركة في الصلاة من أجل نجاح مساعينا في سنة اليوبيل هذه. وندعوهم إلى المشاركة في النشاطات في البلاد العربيّة وبلاد الانتشار لأنّ هذا اليوبيل يدلّ على ارتباطِهم بكنيستهم وفهمِهم لتاريخها ووعيِهم لرسالتها ودورِهم في استمرار مسيرتها”.

وختم العبسي: “إنّ كنيستنا كنيسةٌ جامعة في الكنيسة الجامعة تتجاوز كلّ الحدود إلى قلب وفكر كلّ إنسانٍ يبحث عن الله. فلنجتمع كلّنا نحن جسدَ المسيحِ السريَّ الواحدَ لنؤكّد أنّ كنيسةَ السيّد المسيحِ هي مكان للصلاةٌ والتلاقي والتفاعل الإنسانيّ والروحيّ بين المؤمنين من مختلِف الخلفيّات وهي مكانٌ لتعزيز قيمِ المحبّةِ والعيشِ معًا والاحترامِ المتبادَل وقَبولِ الآخر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى