سياسة

الخطيب: الإساءة إلى الطائفة الشيعية بكلام بذيء ينم عن إسفاف أخلاقي وندعو العقلاء للتوجه نحو بناء الدولة الذي يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية

 أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس، والقى خطبة الجمعة التي قال فيها:

“يقول تعالى في كتابه العزيز : (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) صدق الله العلي العظيم.

تتناول هذه الآية المباركة الحديث عن إحدى الوسائل التي يلجأ إليها المعاندون للحقّ عند عجزهم عن مقارعته لفقدانهم للمنطق ومقابلة الحجة بالحجة، فيهربون من الحوار ويستخدمون طرق التضليل والاشاعات الكاذبة والدسّ الرخيص وتحريف الحقائق. وقد أُستخدمت هذه الوسائل اللاأخلاقية وغيرها في مواجهة الأنبياء (ع) بالكذب والسحر هروباً من الخضوع لكلمة الحقّ، وقد علموا مما ساقه الأنبياء من الدلائل والكتب السماوية من حقائق يعرفونها حق المعرفة أن لا سبيل لإنكارها عند المواجهة المباشرة كما يقتضيه الحوار وألا سبيل لمن جحد الحق وانكره عن إصرار مع العلم بأنه حقّ سوى التوسّل إلى الافتراء والكذب والتحريف منعاً لوصوله إلى الناس الذين يقبلون الحقّ عند معرفتهم به، وهم الغالبية من الناس الذين كرّمهم الله تعالى وأحبهم ووهبهم العقل يميزون به بين الحقائق والاضاليل كما يقول إمامنا علي بن موسى الرضا (ع): ” لو أن الناس عرفوا محاسن كلامنا لاتبعونا”.

اضاف: “عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: ” رحم الله عبدا أحيا أمرنا فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس، فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا، قال: قلت: يا ابن رسول الله فقد رُوي لنا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من تعلم علماً ليماري به السفهاء أو يباهي العلماء أو ليُقْبِلَ بوجوه الناس إليه فهو في النار”.

وهو في خلاصته أن القصد من العلم وتعلمِه ونشره هو الوصول إلى الحقائق ونشرها خدمة للحقيقة وخدمة للناس وان الناس حين تطّلع عليه ستقبله وهذا بنفسه دليل على الصدق والثقة بالنفس، وان ما يدعو اليه هو الحق ولو كان المراد استخدام العلم لجلب الاتباع او للحصول على منفعة المذهب أو مصلحة خاصة لما وجه أصحابه بهذا الاتجاه، هذا في العلم فإذا كان لا يرضى باستخدام العلم لهذه الأغراض أفهل كان يرضى استخدام وسائل التضليل لأغراض خبيثة وغير أخلاقية؟ وقد كانت سيرة الأنبياء والرسول محمد وأوصيائه عليهم السلام أن يقولوا الحق ويصدحوا به ويدعون إليه لا فرق بين صغير الأمور وكبيرها حتى أُستشهد منهم من اُستشهد وتحمّل الاذى في ذلك كله، مع أن مصالحهم الشخصية أو القبلية الدنيوية تقتضي خلاف ذلك وأن ينتهجوا في سبيلها نهجاً مخالفاً لإسقاط أعدائهم والوصول الى الملك وما عرض عليهم من المال وما تشتهي الانفس وتلذّ الأعين، ولكنهم أحبوا الموت على الحياة والعذاب على الراحة تمسّكاً بالحق لهداية الناس ولخير البشرية وهذا رسول الله (ص) مجيباً على عرض زعماء قريش لعمه أبي طالب يقول: “والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلُك فيه ما تركته”.

وقول أمير المؤمنين (ع) لأحدهم يسأله عن قيمة النعل الذي كان يخصفه: ” إنّ خلافتكم لا تساوي شسع هذا النعل إلا أن أُقيم حقاً أو أدفع باطلاً”، وقول علي الأكبر لأبيه الامام الحسين (ع) حينما قال له: “ألسنا على الحق يا ابتي؟ قال: بلى يا بني، فقال له إذا لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا”.

وتابع: “إنّ هناك في الحياة نهجين:

النهج الأول: النهج الرسالي والنبوي على مدى الزمان وبالأخص نوح وإبراهيم وموسى وعيسى الذي مثّله اعتقاداً وسلوكاً أفضل تمثيل رسول الله وأهل بيته (ع).

والنهج الثاني: نهج الأنانية وحب الذات والتمسك بالحياة المادية الكاذبة التي أسماها الله تعالى بالزخرف التي خاطبها أمير المؤمنين (ع) بقوله: “يا دنيا غري غيري قد طلقتك ثلاثاً، تأسّياً بقول الله تعالى في توصيفها بأنها لهو ولعب أن المغرور من غرّته: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ).

وقال: “أيها الاخوة والاخوات، هذا هو النهج الآخر نهج التمسك بالحياة المادية الذي يدفع من يتبناه إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من المصالح والمنافع ويسلك الطرق التي تؤمن له هذه المصالح ولو كانت غير أخلاقية، فقد دفعهم هذا الهدف تبريراً لهذا السلوك إلى فلسفة هذا النهج بمبررات غير أخلاقية وتبني قاعدة “أن الغاية تبرر الوسيلة” ولو كانت قذرة استخدم البعض حتى ممن تبنى النهج الاول فكرياً، ولكنه حينما ( ازينت له الدنيا وراقه زربجها سقط في حبالها)، مع علمه بخيانته لمبادئه فاستخدم الدين لدنياه وكان أهم نماذجه شريح القاضي طمعاً في البقاء في منصبه وإرضاءً ليزيد حينما أمر امر باعتقال هاني بن عروة وتسبّب بإفشال ثورة الامام الحسين (ع) واستشهاده، وقد كان لأمثاله ممن تنطّحوا للفتيا أن أفتوا بالفتنة المذهبية ودفعوا إلى ارتكاب المذابح فيها وسفك الدم الحرام في وقتنا الحاضر وتسببوا بانقسام أمة الاسلام وإضعافها أمام الاعداء خدمةً لبعض الحكام و إرضاءً لأعدائها أما لعصبية مقيتة أو لأطماع شخصية أو للحصول على المال والشهرة”.

ورأى الشيخ الخطيب “ان الازمة اللبنانية كشفت عن استخدام هذه الاساليب القذرة من أجل تحقيق غايات سياسية دون مراعاة للقيم الاخلاقية، سواء بالافتراءات والاتهامات الكاذبة والتشويه، مستحلّين سفك الدماء وسرقة المال العام وخراب البلاد إقتصادياً ونقدياً وإفقارها وتجويع الشعب اللبناني باستخدام مواقعهم  لتحقيق مكاسب مادية او عمالة للأجنبي خوفاً على مواقعهم أو إنتقاماً وحسداً تمسّكاً بامتيازات في النظام، مستخدمين كما ذكرنا كل الوسائل القذرة تحت عناوين شتى متذرّعين بأنّ السياسة تقتضي ذلك، فالكذب والاتهام جائز في السياسة تطبيقا  للميكافيلية، ومن المؤسف أن هؤلاء يستندون أحياناً لغطاء ديني يحميهم من أي محاسبة عن ارتكاباتهم التي تصل إلى حد الخيانة حتى وفق الموازين الوضعية، بل استباح بعضهم الدفع نحو الفتنة الطائفية وتناول بالإساءة إلى الطائفة الشيعية بكلام بذيء هو أولى به ينم عن إسفاف أخلاقي، انه يتماهى مع حملة منظمة تستهدف هذه الطائفة المضّحية التي دفعت أثماناً باهظة في سبيل الدفاع عن وحدة لبنان وأرضه وشعبه من أبنائها وأمنها واستقرارها وقيادتها، فيما استعان البعض بالعدو الذي احتل أرضه بمساعدتهم وتواطئهم  وأشعلوا  نار الحرب الأهلية، ويدفعون بالبلد الى الصدام الداخلي، ولم ينل لبنان منهم إلا الحروب والدمار والخراب والتآمر والقتل والمجازر”.

وتابع: “ولكن اقول لهؤلاء الذين يفترون على هذه الطائفة ويكنّون عداوة أبناء جلدتهم لها ما قالته السيدة زينب (ع) ليزيد: ” فوَاللهِ ما فَرَيتَ إلاّ جِلْدَك، ولا جَزَزْتَ إلاّ لحمك”،  وسيبقى لبنان بلد الرسالة الاسلامية المسيحية بلداً واحداً يعيش تحت سقفه اللبنانيون موحّدين بإذن الله، وسيكسب اللبنانيون هذا التحدي في وجه المشروع الاسرائيلي التجزيئي التقسيمي مهما بلغ.”

ودعا الخطيب “العقلاء في هذا البلد إلى وضع حد لهذه الرهانات الخاسرة المتكررة والتوجه  نحو الاصلاح وبناء الدولة الذي يبدأ بإرادة صادقة من الجميع بانتخاب رئيس للجمهورية وتكليف حكومة قادرة على وضع خطط تخرج البلد من أزماته وإنهاء هذا الوضع الذي يقضّ مضاجع اللبنانيين جميعاً وعدم الرهان على تغيير الموازين، فإنه مهما كَبُر الرهان فلن يكون الا صفراً وأنتجوا الحل بأيديكم”.

وقال: “إنّ الحكومة الحالية مع حجم الازمة الكبيرة مطالبة بأن تقوم بواجباتها تجاه المواطنين، وأن تعيد موظفي القطاع العام الى عملهم بالاستجابة للحد الأدنى من مطالبهم وأن تحمي بالقدر الممكن الشعب اللبناني الذي أصبح بغالبيته ًفقيراً ومحتاجاً للضروريات”.

وطالب وزارة المالية “بحلّ مشكلة قبض رواتب القطاع العام في الهرمل”، وقال: “هل يعقل في هذه الظروف المعيشية الخانقة أن يضطر هؤلاء إلى صرف جزء كبير من رواتبهم المتواضعة بل دون المتواضعة وقطع مسافات طويلة للحصول عليها، مع أنهم أحياناً لا يجدونها لخلوّ ATM من المال، فالمطلوب وضع حل لهذه المشكلة بأقرب وقت ممكن”.

ورأى “انّ السياسات المالية والنقدية لهذه الحكومة والمصارف وعلى رأسها مصرف لبنان تتحمّل اليوم مسؤولية تدهور قيمة العملة الوطنية، فهم بهذه السياسات كمن يُطعم اللبنانيين من لحمهم، وإذا بقيت هذه السياسة هي المتبعة فسيستفيق اللبنانيون إذا بقوا على قيد الحياة على حقيقة أنهم قد أكلوا لحمهم ولم يبقَ سوى الهيكل العظمي الذي سيتفكك ويتساقط جزءاً بعد آخر إذا تركوا الأمور تسير على هذا النمط”.

وقال: “إنّني على ثقة كبيرة بهذا الشعب الذي تربطه بوطنه وببعضه الرابطة الاخلاقية والوطنية التي تستدعي منه التكافل والتعاون، ويحزنني أن أرى المطاعم والصالات مليئة بالزبائن القادرين على دفع مبالغ طائلة على السهرات الليلية وهناك من يشكو من إخوانهم رغيف الخبز وحبة الدواء أو يشكو ألم المرض وهو بحاجة لدخول المستشفى فلا يجد من ينجده، وأتقدم بالشكر لكل أولئك الذين يحملون حِسّاً إنسانيا وقيماً أخلاقيةً ودينية يبادرون وقد بادروا إلى الاستجابة لصوت الضمير وأعطوا مما أعطاهم الله، فالمال مال الله والعيال عيال الله، وفي الصباح يحمد القوم السرى. بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) صدق الله العلي العظيم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى