إقتصاد

فتات صيرفة لموظفي القطاع العام ومافيا الصرافين تأكل الصغير

جوناثان كول

تعد منصة صيرفة الأداة الأساسية التي يستخدمها المصرف المركزي للتدخل في سوق العملات. حين تواجه العملة الوطنية مأزقاً وتنهار قيمتها، يتدخل المركزي عبر منصة صيرفة لإنقاذ الوضع عبر ضخ دولارات في السوق للحفاظ على استقرار في سعر الصرف وإنقاذ اللبنانيين من تدهور العملة والتضخم. هذه هي السردية التي أراد المركزي تثبيتها في الأذهان، ونظراً إلى تمكن المركزي من إحاطة المنصة، وطريقة عملها بكثير من الغموض فإنه جعل إمكانية دحض هذه السردية أكثر صعوبة.

لكن المعلومات والمؤشرات المتوفرة تقدم رواية مختلفة تماماً، فقد أعلن مصرف لبنان المركزي منذ بداية عام 2022 عن ست تدخلات أساسية في سوق العملات مستخدماً منصة الصيرفة، وكان لها تأثير محدود على سعر صرف السوق، باستثناء التدخل الأحدث في آذار (مارس) 2023. في الواقع، يتبيّن أن وظيفة منصة صيرفة الأساسي هي توفير نوع مستحدث من “الدعم” تستفيد منه بشكل أساسي المصارف، بالإضافة إلى المستوردين والأثرياء عبر بيعهم دولارات “مدعومة” من المركزي مقارنة بسعر السوق الموازي، ثم السماح لهم بالاستفادة من الفرق لتحقيق الأرباح، وبحسب المؤشرات والمعلومات المتوفرة يبدو أن معظم الأموال التي يتم تداولها على منصة صيرفة تصب في هذا الإطار.

لقد تآكلت معها الرواتب والأجور بالليرة اللبنانية منذ انهيار قيمة العملة الوطنية في عام 2019، وقد أدى ذلك إلى تلاشي قدرة السلطة السياسية للحفاظ على تماسك قبضتها المتحكمة بالقطاع العام. هنا أتى دور عبر السماح للموظفين العاملين في القطاع الحكومي بسحب رواتبهم بالدولار على سعر منصة صيرفة لتكون بمثابة داعم مالي لهم، لكن قيمة المبلغ الذي يستفيد منه العاملين في القطاع العام يعد ضئيلاً مقارنة بحجم التداول على المنصة. وعلى الرغم من تأمين “الدعم” الذي يوفره المركزي لهذه الشريحة سنداً للموظفين العامين، فإنه خفف أيضاً من الضغط الذي تواجهه السلطة السياسية من شريحة تعد جزءاً أساسياً من قاعدتها الشعبية.

في الشرح التالي، يحلل موقع “البديل” طريقة عمل منصة صيرفة الشهيرة، ويفند عدداً من المغالطات التي تحيط بها:

المركزي.. جلاد الليرة وحاميها

استقر سعر صرف الدولار الأميركي تجاه الليرة اللبنانية عند مستوى يتراوح ما بين 97 ألف و94 ألف ليرة لبنانية خلال شهري نيسان (أبريل) وأيار (مايو) الماضيين، وعكس ذلك في الشكل على الأقل قدرة لدى المصرف المركزي بالسيطرة على تقلبات سعر الصرف وإبقاءه تحت السيطرة. وجاءت هذه الفترة من الاستقرار النسبي بعد إعلان المصرف المركزي أنه سيبدأ بيع عدد غير محدود من الدولارات الجديدة لدعم الليرة بعد انخفاض حاد في قيمتها في شهر آذار (مارس) حين وصل سعر الدولار إلى 141 ألف ليرة لبنانية.

وقام المصرف المركزي بضخ الدولارات في السوق بنفس الطريقة التي اعتمدها أكثر من مرة في السابق منذ بداية عام 2022 (خمس تدخلات)، على الرغم من أن التدخلات السابقة لم تحقق نجاحاً مقارنة بالتدخل الأخير، وعليه يمكن اعتبار المنصة “أداة نقدية ضعيفة وغير فعالة”، كما وصفها البنك الدولي في تقرير حديث، مع وجود ترابط ضعيف بشكل عام، بين التدخلات وسعر الصرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى